‫المغرب لا يقبل المساومة في قضاياه الوطنية ووحدة أراضيه

الأزمة المغربية – الإسبانية الراهنة، ليست حدثا معزولا ولا طارئا، في علاقة البلدين الجارين، لأسباب عديدة، منها المعاكسة المستمرة لمصالح المغرب، من طرف مملكة إسبانيا، خاصة ما تعلق بالصحراء التي تعلم إسبانيا أنها مغربية تاريخا وجغرافية وشعبا. ومنها أيضا الصورة السلبية التي لا تزال إسبانيا، دولة وحكومة وتيارات سياسية واسعة من الراي العام عن المغرب الذي كانت تحتل منطقة شاسعة في شماله، بحكم اتفاق غاشم بينها وبين فرنسا ، والتي كانت تحاول فصله عن المغرب، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، لولا حذر ووطنية المغاربة في الشمال وتشبث كافة التنظيمات السياسية بالمنطقة الخليفية بوحدة المغرب شمالا وجنوبا، وخاصة ولاء ووفاء الأمير مولاي الحسن بن المهدي الإسماعيلي، الخليفة السلطاني بالمنطقة‪. ‬
ومنها ، كذلك، الوجود الاستعماري الإسباني في مدينتي سبتة ومليلية وعدد من الجزر التابعة لهما‪. ‬
ومن “المهازل” الاسبانية، أنها لا تخجل من التصريح دوليا، أن المدينتين “إسبانيتان” مثلهما مثل غرناطة وقادس ومدريد، والحال أن المدينتين توجدان في قارة غير القارة الأوروبية، وفي بلد مغربي عربي أمازيغي مسلم لا علاقة له مع إسبانيا، إلا ما ترسب من التاريخ الاستعماري الأوروبي عبر العالم. خاصة بعد أن التأم جمع بعض الدول الاستعمارية الأوربية في برلين، نهاية القرن التاسع عشر لتوزيع “كعكة” بلدان إفريقيا والشرق الأوسط بينها‪. ‬
ويعلم الأسبان أن غزو سبتة ومليلية حدثَ في إطار حماية جنوب إسبانبا من غزو جديد يأتي من شمال المغرب بعد خروج العرب من إسبانيت سنة 1492.‪ ‬
ومن المضحك أن تتعمد بعض المنابر الصحافية الإسبانية، استغلال الأزمة الإسبانية المغربية الحالية، لإثارة موضوع المدينتين المحتلتين، واعتبار أنهما قطعة من “التراب الوطني” وأنهما لم تكونا أبدا تحت السيادة المغربية ، وأن مطالبة المغرب بهما تندرج في المخططات “التوسعية” للمملكة المغربية التي كانت تراهن أيضا على أراض في بلدان مجاورة .
هكذا “تناور” وتراوغ أقلام إسبانية “مغرضة” في خدمة الإمبريالية الإسبانية، التي لا زالت تعيش على نظريات الفرنكوية الاستعمارية المتطرفة، بهدف تشويه صورة المغرب، وهو أمر أصبح عسيرا على الحكومة الاسبانية ودوائرها الاستخباراتية، بعد أن عزز المغرب مكانته الدولية، سياسيا واقتصاديا وماليا وعسكريا، وصار شريكا كاملا للدول العظمى في جميع مجالات التدخل على مستوى العالم. خاصة ما تعلق بالهجرة السرية، ومكافحة الإرهاب، والاستخبارات، وحفظ السلم والأمن في مناطق مضطربة عبر العالم، والتعاون الدولي ، من أجل دعم جهود العديد من الدول، خاصة الإفريقية، السائرة في طريق النمو. ولم يترك لإسبانيا إلا مجالا ضيقا للتناور والتآمر، حتى بعد أن أشاعت أن سبتة ومليلية والجزر التابعة لهما أراض إسبانية، وأنها تشكل حدود الاتحاد الأوروبي الجنوبية‪… !. ‬
‫هذا الأمر كان يمكن أن يكون قابلا للنقاش لو تعلق الأمر باتحاد “إوروبي-عربي-إفريقي”، أما أن تكون للاتحاد الأوروبي حدود في قارة أخرى وعلى أراضي دولة إفريقية عربية، فهذا منتهى العبث الذي “تتميز” به سياسة دولة الإسبان في تعاملها “المتعجرف”، مع المغرب الذي يرفض أي مساومة على استقلال قراره ووحدة أراضيه.‬

ونود، بالمناسبة، “تحديث” ذاكرة بعض الساسة الأسبان وبعض الصحافيين الذين لا زالوا مربوطين إلى العقيدة الفرنكوية الاستعمارية الفاشية، بمعلومات موثقة، حول احتلال إسبانيا لمدينة سبتة التي “انتزعوها” بالحيلة والمناورة ، للبرتغال الذي دخلها يوم 21 أغسطس 1415، ‪ ‬
‫أولاً سبتة ومليلية مدينتان توجدان خارج االتراب “القاري” لإسبانيا ، والمدينتان والجزرالموجودة بسواحلهما تقع في ، إفريقيا ، وأن السواحل الشمالية للمغرب، كانت موضوع أطماع استعمارية قبل العصر الوسيط وبعده، إلى أن تم “اغتصاب” المدينتين ، واستعمارهما من قبل البرتغال و إسبانيا. ‬
وبطبيعة الحال، لم تكن إسبانيا والبرتغال بمفردهما في هذه “لمغامرة ” الاستعمارية التي كلفت المهاجمين من الدولتين خسائر فظيعة في الأرواح والعتاد الحربي، بل إن المغامرة الاستعمارية في الساحل الشمالي للمغرب حظيت بدعم قوي من العروش الأوروبية المعاصرة، ومن الكنيسة الكاثوليكية، وبطبيعة الحال من قبل الكرسي الرسولي في روما ‪!‬…‪ ‬
ومع ذلك ، لا يمكن لإسبانيا، بأي حال من الأحوال، الادعاء بأنها “فازت” بسبتة في مواجهة عسكرية مباشرة مع المغرب، بل إن إسبانيا استولت على هذه المدينة بمناورات وتحايل على البرتغال الذي كان قد احتلها سنة 1415، ولم تكن إسبانيا قد “ولدت” بعدُ ، كدولة، في ذلك التاريخ، حيث إنه لم يتم الإعلان عن ولادة دولة إسبانيا من خلال اتحاد سلالاتي قشتالة وأراغون حتى عام 1469، أي 54 سنة بعد وصول البرتغاليين إلى سبتة‪.!. ‬
وللتذكير، فإن الانتصار المدوي للمغرب على البرتغال ، في معركة وادي المخازن سنة 1578 ووفاة ملك البرتغال “دوم سيباستيان” ، قد استخدمهما فيليب الثاني ملك إسبانيا للاستيلاء بالقوة على البرتغال وضمها لبلاده و ليُعلن نفسه ملكًا على البرتغال ، بلقب “فيليب الأول” ‪!”. ‬
وقد أدت سلسلة من المعاهدات التي “فرضتها” إسبانيا على البرتغال إلى إجبار مملكة البرتغالعلى الانفصال عن ممتلكاتها الاستعمارية ، ولا سيما معاهدة لشبونة (1668) التي تعترف بفصل المملكتين ، بشرط ، اعتراف البرتغال رسميا بسيادة إسبانيا على مدينة سبتة.‪ ‬

ومع ذلك ، اعترفت معاهدة “تورديسيلاس” الإسبانية – البرتغالية (1494) بـ “انتماء” سبتة إلى البرتغال. وفي عام 1509 ، اعترفت إسبانيا في معاهدة وقعت في سينترا (مدينة برتغالية) بأنه ليس لها حقوقا في المستعمرات البرتغالية الموجودة على الساحل المغربي من سبتة إلى بوجدور ‪!!.. ‬

وغني عن البيان أن المغربتعبأ طيلة فترات الاحتلال لتحرير أراضيه المحتلة. ولا شك أن الهجمات المستمرة لمولاي إسماعيل (1672-1727) ضد التحصينات الإسبانية والبرتغالية والبريطانية بشمال المغرب بوجه خاص، لخير دليل على ذلك‪. ‬

وتجدر الإشارة بشكل عابر إلى أن لويس دي كامويس ، “أب” لغة وآداب وقومية البرتغال ، فقد إحدى عينيه خلال رحلة “استكشافية” برتغالية ضد سبتة (لوسياداس ، الصفحة 375). لكن ذلك لم يمنعه من “رؤية” سبتة المغربية التي كانت مدينة كبيرة وميناء تجاريا مزدهرا‪. ‬

هذه مجرد شذرات من تاريخ سبتة تظهر بوضوح “زيف” التصريحات الفاضحة لجهات من اليمن كما من اليسار في إسبانيا التي لا تزال “تحن إلى الماضي” الاستعماري للإمبريالية الإسبانية ، ولا تزال تحلم بـالمستعمرات والممتلكات ومناطق النفوذ في الخارج ، التي شكلت “العقيدة” الفاشية لميليشيات “الكتائب الإسبانية” (الفلانخيس (1933 ) والتي تذكرنا بعهد ، تم تجاوزه وإلى الأبد ، على الأقل ، بالنسبة للعالم الحر ‪! ‬
‫عزيز كنوني

About Romaisae

Check Also

السياسة الجديدة أو ” فضيحة التقاشر”

عقب استقلال المغرب سنة 1956 عن الإدارة الفرنسية المباشرة، كان البلد في يعرف ما يمكن …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »